تحتوي قصص الأطفال دائما على العديد من المعاني والسلوكيات مفيدة ، والتي تسهم في حثهم على فعل الخير والابتعاد عن الشر ، كما أنها تساعدهم في التفكير بأسلوب راقي ، وتسهم بشكل خاص في تنشئتهم نشأة سليمة على القيم والأخلاق التي نود أن نرى أبناءنا عليها .. واليوم نقدم إليكم إحدى قصص الأطفال المبهرة التي يستطيع الأطفال الخروج منها ببعض القيم الرائعة وهي قصة الأمير السعيد ...
يحكى أنه في إحدى المدن قد قام بعض الأشخاص برفع تمثال الأمير السعيد في ميدان كبير ، وكان هذا التمثال مطليا بالكامل بأوراق رفيعة من الذهب الخالص ، بينما العينين فقد كانتا مصممتان من الياقوت الساطع ، وكان في يد التمثال سيف كبير عليه ياقوتة باللون الأحمر .
وقف الكثيرون حول التمثال بالميدان يتطلعون إليه بإعجاب ، وكان من بينهم مجموعة من رجال الدولة الذين يودون اكتساب سمعة جيدة ، لذلك أخذوا يقولون بصوت مرتفع: " إن هذا التمثال رائع" ، وأضاف آخر قائلا: " إنه يضيف بريق ولمعان للميدان " ، وذلك حتى لا يقول الناس إن هذا التمثال لا يدل إلا على البذخ والسفه .
على الجانب الآخر كان يقف بالميدان أم وطفلها الصغير وكان يبكى بشدة، فقالت له أمه :" لماذا لا تكون مثل الأمير السعيد ، إنه لم يكن يبكى أبدا على أي شيء ؟!" .
في ناحية أخرى كان يقف أشخاص آخرون تمتم أحدهم قائلا: " أنا سعيد لأن هناك شخص في هذا العالم يشعر بالسعادة لتلك الدرجة " ، لكن هذا الشخص كان ينظر إلى التمثال بنظرة تمتلئ بخيبة الأمل .
في الوقت نفسه خرج مجموعة من الأطفال الصغار من مدرستهم القريبة من الميدان ، يرتدون ملابس ناصعة ونظيفة ، فقال أحدهم : " كيف تم صنع هذا التمثال ؟" ، فرد عليه زميله قائلا : " بالتأكيد تم صنعه باستخدام الرياضيات "، وظل الأطفال يتأملون التمثال ويقولون هذا ما يمكننا أن نراه فقط في أحلامنا .
ثم ذهب جميع الأطفال إلى منازلهم ، ولم يتبق إلا طفل وحيد يحب جو فصل الربيع ، ويحب قصائد الفراشات ، كما يحب أن يشاهد الفراشة الصفراء وهى تحلق أعلى النهر ، وفى ذلك الوقت شاهد الطفل طائر السنونو وهو يحلق أعلى تمثال الأمير السعيد ، فجلس يترقبه من بعيد ، فشاهده وهو يحدق في التمثال بشوق ولهفة ، ثم هبط طائر السنونو أسفل التمثال عند قدميه ..
وفجأة، وجد طائر السنونو بعض القطرات تتساقط عليه من أعلى ، في البداية اعتقد أنها أمطار الشتاء ، ولكنه عندما نظر حوله وجد أنها دموع تسيل من عيون تمثال الأمير السعيد ، فحلق طائر السنونو مرة أخرى إلى أعلى حتى وصل إلى رأس التمثال ، وسأل الأمير السعيد لماذا تبكى ، فرد عليه تمثال الأمير السعيد قائلا : " إنني عندما كنت حيا ، كنت سعيدا لأنني لم أخرج أبدا من القصر الذى كنت أعيش فيه، أما الآن عندما أتوا بتمثالي إلى هنا في الميدان ، وجدت الفقر يدق أبواب الكثيرين ، وشاهدت في أعينهم نظرات الحزن " .
فبدأ طائر السنونو يحلق حول التمثال متعجبا من أنه لم يسمع عن الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في المدينة فقراء في تعاسة وحزن ، وفي ذلك الحين قال تمثال الأمير السعيد لطائر السنونو: " ما رأيك أن تأخذ الياقوتة الموجودة في عيني لتوصلها إلى أسرة فقيرة ، تبيعها وتستفاد من الأموال ويعيشون سعداء ؟ " .
فشعر طائر السنونو بالحزن لأنه لم يرى أبدا الأمير السعيد بائسا هكذا ، وبالطبع وافقه على رأيه وفكرته ، وفى اليوم التالي مر طائر السنونو على الكثير من البيوت الموجودة في المدينة ، باحثا عن الحالات الفقيرة التي لديها طفل مريض حتى وصل طائر السنونو في النهاية إلى منزل أسرة فقيرة ، فنظر الطائر من النافذة ، فوجد الأم جالسة بجوار طفلها ، وكان الطفل يبدو عليه مظاهر التعب .
حلق طائر السنونو بسرعة في السماء متجها إلى تمثال الأمير السعيد ، ثم حكى له ما رآه ، وأن تلك الأسرة تستحق أن تأخذ الياقوتة ، وعندما سمع الأمير تلك القصة ، قال لطائر السنونو قم بأخذ الياقوتة فورا واحملها إلى تلك الأسرة الفقيرة ، وبالفعل قام طائر السنونو بما أمره الأمير السعيد ، ثم ذهب إلى منزل الأسرة الفقيرة ، ووضع الياقوتة من فمه على الطاولة بدون أن يكتشف وجوده أحد من أفراد الأسرة .
ثم رجع طائر السنونو بعد ذلك إلى الأمير السعيد ، وطمئنه أن الياقوتة قد وصلت إلى الأسرة ، فقال له الأمير السعيد : " الآن عليك أن تأخذ الياقوتة الموجودة في العين الأخرى ، ثم توصلها إلى كاتب فقير لا يمتلك منزل يأويه" .
وبالفعل أخذ طائر السنونو الياقوتة الأخرى ثم حلق بعيدا باحثا عن الكاتب، وعندما وجده ألقى إليه الياقوتة ، ثم عاد إلى الأمير وقال له : " الآن أصبحت كفيفا يا مولاي ، ولكني سوف أكون عيناك التي ترى بهما " .
ظل طائر السنونو واقف على كتف تمثال الأمير السعيد يبلغه بما يحدث حوله في الميدان ، وفي إحدى الأيام شاهد طائر السنونو رجلا يطرد الأطفال الصغار الذين يتأملون تمثال الأمير السعيد ، فأبلغ الأمير بما يحدث ، وعندما سمع الأمير طلب من طائر السنونو أن يأخذ رقائق الذهب التي تغطيه ويوزعها على الأطفال وفقراء المدينة ، فقام الطائر بما أمره الأمير ووزع رقائق الذهب على الفقراء وشعروا جميعا بالسعادة .
ومرت الأيام بعدها وجاء فصل الشتاء وبدأت الأمطار والثلوج في التساقط ، ولم يهرب طائر السنونو ليختبئ من الشتاء ، ولكنه ظل واقفا مع تمثال الأمير السعيد صامدا ، لكنه لم يتحمل كثيرا وبكل أسف سقط على الأرض ميتا ، وعندما شعر تمثال الأمير السعيد بموت طائر السنونو ، حزن حزنا شديدا ، وشعر بأن قلبه تحطم ، وحينها ظهر المعدن المصنوع منه تمثال الأمير السعيد .
وفى نفس الوقت ، كان يمر بجانب الميدان محافظ المدينة ورأى التمثال ، وقد أصبح قديما متهالكا ، ورأى بجانبه طائر السنونو الميت ، فأمر بعض العمال بأن يلقوا الطائر الميت على جانب الطريق بعيدا حتى تأكله الحيوانات ، وطلب منهم أن يأخذوا التمثال إلى مصنع بعيد ليصهروا المعدن ويستخدموه في صنع بعض الأشياء الأخرى ، وبهذا انتهت قصة الأمير السعيد ...