في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كان من المفهوم جيدا أن الرايخ الثالث كان له القوة الهائلة للعلم والتكنولوجيا التي شهدها العالم على الإطلاق، ومزج أدولف هتلر بين السحر والتخليد مع الهندسة المتطورة والفيزياء، وسعى إلى إتقان المادة والروح بنفس الطريقة التي سعى بها لإتقان أمم العالم.
وعرف هتلر أن الكثير من المصالح التجارية الأمريكية أرادت أن تتحالف مع ألمانيا النازية بدلاً من مقاومة هذه القوة العالمية المتنامية، ولقد حاول أيضا رجال الأعمال الأمريكيون البارزون، حيث أنهم أزُعجوا بالصفقة الجديدة التي أطلقها الرئيس فرانكلين د. روزفلت الإشتراكي، حيث كانوا يقومون بمحاولة مساعدة البطل الحربي الميجر جنرال سميلي بتلر في مخططهم ليحل محل إدارة روزفلت بحكومة أميركية فاشية.
وبينما نمت ألمانيا النازية في الإقليم والنفوذ، أصبح هتلر أكثر حقدا من قوة التصنيع الأمريكية، وكان يحلم بإتحاد لا يمكن إيقافه من علم السحر الألماني والقوة الغاشمة الأمريكية التي من شأنها ترسيخ قبضة الرايخ الثالث على مستقبل الكوكب، وعلى الرغم من أن التاريخ يتذكر هتلر على أنه خسر الحرب العالمية الثانية، إلا أن خياله غير المقدّس كان مقدّرًا أن يؤتي ثماره.
وبسبب عدم إرتياحه لجرائم الحرب التي ارتكبها الرايخ الثالث خلال الحرب، أستقطب قادة القطاعات العسكرية والصناعية الأمريكية العشرات من كبار العلماء النازيين للعمل في أمريكا بعد إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وقد أطلقت علي هذه المبادرة السرية اسم عملية مشبك الورق، وكان هناك العديد من الإختراقات الطبية والهندسية، بما في ذلك تطوير صاروخ ساتيرن الخامس وتأسيس وكالة ناسا.
ومن نواحٍ عديدة، كان علماء هذه العملية مسئولين بشكل مباشر عن التفوق العسكري والإقتصادي الذي لا شك فيه الذي كانت تتمتع به أمريكا في سنوات ما بعد الحرب، وفي القائمة التالية، سوف نخبرك عن قصص 10 علماء نازيين نجوا من الحرب وأزدهروا في الولايات المتحدة.
1- والتر شيبر :
كان والتر شيبر لاعب حاسم في الرايخ الثالث، وذلك لخبرته في صناعة النسيج في مرحلة ما قبل الحرب والتي جعلته مفيدا للغاية للحزب الإشتراكي القومي، وفي عام 1943، منحه هتلر صليب الإستحقاق، وبعد الحرب، لفت شيبر نظر تشارلز لوك، وهو عميد في الجيش الكيميائي بالجيش الأمريكي، وقام بإستمالة لوك وذلك بسبب صلاته الوثيقة مع هاينريش هيملر ومعرفته الوثيقة بالغازات التي استخدمها الرايخ الثالث خلال الحرب، وعمل شيبر لفيلق الكيماويات لمدة 10 سنوات وأصبح فيما بعد أحد أعمدة وكالة الإستخبارات المركزية، وبما أنه كان هذا مفيدا للحكومة الأمريكية، لم تقم بمقاضاة شيبر بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها، وفي الواقع، لعب دورًا محوريًا في تطوير غاز السارين الذي استخدمه الجيش الأمريكي لاحقًا.
2- هوبرتوس ستروغولد :
كان هوبرتوس ستروغولد، المعروف باسم "أبو الطب الفضائي"، قد ساعد القوات الجوية للولايات المتحدة ووكالة ناسا على تطوير العديد من مبادئ الرعاية الطبية في الفضاء والتي لاتزال قيد التنفيذ اليوم، ولسنوات، أعطت الجمعية الطبية الفضائية جائزة سنوية سميت باسم سترو غولد للمساهمين البارزين في مجال الطب الفضائي، لكن عندما ظهرت صلاته المشبوهة مع مجرمي الحرب النازيين، أُزيح اسمه من الجائزة.
وخلال مسيرته الطويلة كعالم محترم في الولايات المتحدة، نفى سترو غولد بشدة أي معرفة بجرائم الحرب التي ارتكبها النازيون، ومع ذلك، كان متورطا خلال محاكمات نورمبرج كضلوع في الفظائع التي أُرتكبت في داخاو، وتحدث بالتفصيل في مؤتمر النازي في عام 1942 حول التجارب سيئة السمعة، وكانت الأدلة تشير إلى أن خبرة سترو غولد في الحفاظ على حياة الناس في الفضاء كانت مشتقة جزئياً على الأقل من معرفته الوثيقة بالمقدار الذي يمكن أن يتحمله جسم الإنسان تحت ضغط شديد.
3- الدكتور كورت بلوم :
ظاهريا، كان الدكتور كورت بلوم هو رئيس أبحاث السرطان في جيش هتلر، لكن في الواقع، كان أيضا مسؤولاً عن تطوير قدرات الحرب البيولوجية النازية، ووقف بلوم للمحاكمة في نورمبرج لأداء القتل الرحيم وإجراء التجارب البشرية، ولكن تمت تبرئته بسبب تدخل الجيش الأمريكي، وأرادت حكومة الولايات المتحدة التوسع في معرفة بلوم الحميمة بمواضيع الضعف البيولوجية البشرية لخلق عوامل أعصاب أكثر فتكًا، ولم يذكر ملف العاملين بالجيش الكيميائي التابع للجيش الأمريكي أن لبلوم أي مشاركة في التجارب البشرية، وعاش بقية حياته في ألمانيا الغربية حيث عمل في مشاريع سرية للحكومة الأمريكية وظل ناشطاً في حزب ألمانيا اليميني حتى وفاته عام 1969.
4- آرثر رودولف :
عندما تم إحضار آرثر رودولف إلى الولايات المتحدة في عام 1947 كجزء من عملية "بابركليب"، كان يُنظر إليه على أنه "نازي متحمس"، لكن تم حذف كل جرائمه في الحرب من التقارير الرسمية، ومع ذلك، تؤكد الوثائق الصادرة بعد عامين أن رودولف قد تم أتهامه كمجرم حرب من قبل مسئولي الحلفاء.
وفي عام 1961، انضم آرثر رودولف إلى زميله النازي فيرنر فون براون في وكالة ناسا لتصميم صاروخ ساتيرن الخامس، فبدون عبقرية رودولف الصاروخية، لم يكن من الممكن أبداً أن يكون مشروع أبولو قائما، وعلى الرغم من أن الحكومة الأمريكية كانت ممتنة بلاشك لخدمته، فقد وجهت وزارة العدل إلى رودولف في عام 1984 تهمة أخذ الآلاف من العبيد وإجراء التجارب عليها حتى الموت وقت إشرافه على تطوير الصاروخ V-2 خلال الحرب العالمية الثانية، وبدلاً من مواجهة التهم، وافق رودولف على تسليم مواطنيه الأميركيين ومغادرة البلاد.
5- ماغنوس فون براون :
على الرغم من أن ماغنوس فون براون كان أقل شهرة من أخيه فيرنر، إلا أنه كان يتمتع بالتأكيد بدرجة من التعصب بين أفراد الجيش الأمريكي، ووصفوه بأنه "نازي ألماني خطير" يشكل تهديدًا أكبر للأمن القومي وقد خدم ماغنوس كمساعد شخصي لشقيقه، واستطاع أن يثبت نفسه بنفس القدر الذي كان يتمتع به أخوه عندما وصل إلى الهندسة، كان ماجنوس موضع ترحيب من قبل أفراد الجيش الأمريكي في فورت بليس، تكساس، مع مزيج من الحماس البراغماتي والشك الحذر سرعان ما ثبت أن مخاوفهم من فون براون الأصغر مبررة، وذلك عندما تم القبض على ماغنوس في محاولة لبيع لبنة من البلاتين قد قام بسرقتها من القاعدة ليبيعها إلى صائغ في إل باسو، ولم يتم محاكمته بل تمتع ماجنوس بمهنة طويلة ومزدهرة قبل أن يتقاعد في صحراء أريزونا.
6- ديتر غراو :
بصفته عضوًا في مجموعة صاروخ فون براون، كان ديتر غراو لاعباً أساسياً في تطوير الصاروخ V-2 خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب، تم أُرسل غراو إلى الولايات المتحدة كجزء من عملية مشبك الورق، وشغل منصب مدير الجودة في عدد من مشاريع الصواريخ التي قادها فيرنر فون براون نيابة عن الحكومة الأمريكية، بما في ذلك تطوير صاروخ ساتيرن الخامس، وقبل عمله في الجيش الأمريكي ووكالة ناسا، قام ديتر غراو بمراقبة الجودة من نوع مختلف نوعًا ما، فخلال الفترة التي قضاها في ألمانيا، نشر غراو لفترة وجيزة خبرته تحت الأرض في مصنع صواريخ يديره آرثر رودولف، وعاش غراو 101 سنة، وتذكره تلاميذه باعتزاز وأيضا زملائه الأميركيين لاهتمامه بالتفاصيل في كل شيء فعله.
7- هيرمان أوبرث :
لقد كان العمل الرائد الذي قام به هيرمان أوبرث في تصميم الصاروخ هو الذي ألهم في الأصل فيرنر فون براون لتطبيق نفسه على دراسة الصواريخ، وذلك عندما طرح أوبرث فكرة أن الصواريخ يمكن أن تعمل في فراغ الفضاء، كان يسخر منه، ولكن عندما طور الصاروخ الألماني V-2 إلى جانب فون براون، أخذت نظرياته خطوة مهمة نحو التحقق من الصحة.
وعندما إنضم أوبرث إلى فون براون في أمريكا لتطوير صاروخ ساتيرن الخامس، بدأت أحلامه بالهرب، وفي حين أن مساهمات أوبرث في علم الصواريخ لا يمكن إنكارها، إلا أن جوانب أخرى من تراثه كانت أكثر إنفتاحًا للتأويل، ويبدو أن إقتباسات ملفقة محتملة نسبت إلى أوبرت تشير إلى أن هذا العالم النازي كان تحت الإنطباع بأن قدرات الإنسان على الطيران الفضائي لم يتم تطويرها من قبل البشر وحدهم، وعندما سُئل من الذي ساعد البشرية في سعينا للوصول إلى النجوم، كان يجيب أوبرث، "الناس في عوالم أخرى!".
8- كورت ديبوس :
بجانب "فيرنر فون براون"، كان "كيرت ديبوس" أشهر النازيين السابقين ليحتفلوا بمكانة قاعة الشهرة الأمريكية، وكان ديبوس مدير مركز جون إف كينيدي للفضاء في فلوريدا من 1962 إلى 1974، ولكن في حياة أخرى، كان مدير اختبار الطيران في زمن هتلر أثناء تطوير الصاروخ V-2. على الرغم مما نعرفه عن فظائع برنامج تطوير V-2 .
لم يكن ديبوس مسؤولًا عن ماضيه ومازال يتمتع بسمعة متوهجة بعد وفاته، كان ديبوس جزءًا من المجموعة التي قادها ماغنوس فون براون الذي تفاوض على إستسلام علماء الصواريخ الألمان في نهاية الحرب، وعلى الفور تقريبا، تم نقل ديبوس بعيدا لبدء العمل في فورت بليس، وسرعان ما نُقل إلى هانتسفيل، بولاية ألاباما، للإشراف على تشييد مرافق وكالة ناسا فى كيب كانافيرال.
ومع ديبوس في المقدمة، أطلقت وكالة ناسا بنجاح 13 صاروخ Saturn V إلى الفضاء، بما في ذلك الصاروخ الذي حمل رواد فضاء Apollo 11 إلى القمر، ومع ذلك، لم يكن ديبوس قادراً على تحقيق هذه الإنجازات الأمريكية العظيمة الممكنة لو لم يكن لتورطه في إجبار العبيد على بناء صواريخ الحرب من أجل الإمبراطورية النازية.
9- فيرنر فون براون :
سرعان ما اعترفت السلطات النازية بـ فيرنر فون براون بأنه عبقرية فيزيائية وهندسية، ولكن فون براون لم يكن سوى كتاب في الطبيعة، جعلته موهبته القوية وبراعته الحكيمة المرشح المثالي لتنظيم عمليات الإنتاج على نطاق واسع، مثل تطوير صاروخ V-2 وهو في عمر 25، وكان فون براون مسؤولاً عن فريق مكون من 400 شخص.
وبحلول الوقت الذي كان في الثلاثين من عمره ، تضخم فريقه إلى 5000 شخص، وخلال الحرب، زار فيرنر فون براون مصنع العبيد في ميتلويرك ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة، وفي إحدى المناسبات، قام بجولة في أماكن النوم المروعة للعمال المسخرة، ومع ذلك، وخلال فترة عمله في برنامج الفضاء الأمريكي، بذل قصارى جهده ليبعد نفسه عن الفظائع التي إرتكبها النازيون من خلال طرح موقف مفاده أنه لا يوجد شيء يمكن أن يفعله للمساعدة.
وندرك تمامًا أن مئات من العبيد كانوا يموتون لتحقيق أحلامه، إلا أن فون براون لايزال يكرس نفسه ليلاً ونهارًا لتطوير الصاروخ V-2 وبدون فون براون، ومن المشكوك فيه أن صاروخ ساتيرن الخامس كان يمكن أن يشاهد النور على الإطلاق ولكن بسبب فون براون، نجد أن صفوف لا نهاية لها من العمال الضعفاء ماتوا في الظلام.